فصل: (بَابُ الرِّبَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ الرِّبَا):

الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ، أَوْ لَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالرِّبَا حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَكْلُ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ} وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ {آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَكَاتِبُهُ وَشَاهِدُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ.
قَوْلُهُ: (فَالْعِلَّةُ فِيهِ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) وَيُقَالُ: الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ مَعًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَزْنَ وَلَفْظُ الْوَزْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَأَمَّا لَفْظُ الْقَدْرِ فَيَشْمَلُهُمَا مَعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَقَالَ مَالِكٌ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ بَاعَ قَفِيزَ نَوْرَةٍ بِقَفِيزَيْ نَوْرَةٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ مَعَ الْجِنْسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الطَّعْمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ خَمْسَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِسِتِّ حَفَنَاتٍ مِنْهَا وَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ حَفْنَةً بِقَفِيزٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ لَا يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ، وَالْآخَرُ يَبْلُغُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَإِنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بَيَانُهُ إذَا بَاعَ هَرَوِيًّا بِهَرَوِيٍّ، أَوْ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيٍّ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحِلُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بِيعَ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ رِبًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَيُرْوَى مِثْلٌ بِمِثْلٍ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى بِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ تَبَايَعَا صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ مُجَازَفَةً، ثُمَّ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ التَّسَاوِي مَعْدُومًا، أَوْ مَوْهُومًا فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ، وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْمَضْمُومِ إلَيْهِ هُوَ الْكَيْلُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالْوَزْنُ فِي الْفِضَّةِ يَعْنِي الْقَدْرَ إمَّا الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ وَهَذَا كَالْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ، وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعِلَّتَيْنِ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَا حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ) مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً» وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ مَالِكٌ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَثِمَارُ النَّخِيلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا وَأَسْمَاؤُهَا كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَعْقِلِيِّ وَالدَّقَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَهُوَ عَامٌّ وَثِمَارُ الْكُرُومِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهُ وَبُلْدَانُهُ، وَالْحِنْطَةُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا، وَإِذَا بِيعَ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَوْ الزَّبِيبُ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ التَّمْرُ بِالذُّرَةِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ جَمَعَهُمَا وَلُحُومُ الْغَنَمِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ضَأْنُهَا وَمَعَزُهَا وَالنَّعْجَةُ وَالتَّيْسُ فَلَوْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِشَحْمِهَا، أَوْ بِأَلْيَتِهَا، أَوْ بِصُوفِهَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَهُوَ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ، وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً وَزْنًا، أَوْ الْفِضَّةَ بِجِنْسِهَا مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ بِأَمْثَالِهِمَا كَيْلًا لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ وَقَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» وَمَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ أَيْ خُذْ، وَالْقَصْرُ فِيهِ خَطَأٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ) وَهَذَا كَمَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ بِأَعْيَانِهِمَا، أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَلَا يَضُرُّهُمَا الِافْتِرَاقُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَهَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا، وَالْآخَرُ عَيْنًا إنْ كَانَ الْعَيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الدَّيْنِ، وَالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَيْنَ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَمَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) يَعْنِي لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا وَسَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ مُجْتَمِعٌ فَإِذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهُ بِالطَّحْنِ زَادَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ يُقَالُ مَقْلُوَّةٌ وَمَقْلِيَّةٌ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا تَسَاوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالدَّقِيقِ اتِّخَاذُ الْخُبْزِ، وَالْعَصَائِدِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ التَّغَذِّي - يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلُوَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ، وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْعِلْكَةُ الْجَيِّدَةُ يُقَالُ حِنْطَةٌ عِلْكَةٌ أَيْ جَيِّدَةٌ تَتَمَدَّدُ كَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ مِنْ جَوْدَتِهَا وَلِينِهَا وَالْمُسَوِّسَةُ الَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فَكَذَا الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الثَّقِيلَةِ بِالْحِنْطَةِ الْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الدَّقِيقِ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا جَازَ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ) وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ، وَالْحَيَوَانُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ أَمَّا إذَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمِثْلِهِ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ، وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، وَالْأَكَارِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْأَكَارِعِ وَالرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ وَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمَفْصُولُ أَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ مَفْصُولَةٍ عَنْ السَّقَطِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةِ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ مِنْ خَيْبَرَ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا} سَمَّاهُ تَمْرًا وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ فَلَا إذًا} قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا قُلْنَا مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَفِي الْعُرْفِ الرُّطَبُ غَيْرُ التَّمْرِ وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ مُتَمَاثِلًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا بَيْعُ الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى الْخِلَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» وَلَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّبِيبِ عَلَى الْعِنَبِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونُ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرَةِ) وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً الشَّيْرَجُ السَّلِيطُ وَالثَّجِيرَةُ الْعُصَارَةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا الْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ، وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَزْلِ بِالْقُطْنِ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْع اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) يَعْنِي لَحْمَ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ، أَوْ بِلَحْمِ الْغَنَمِ أَمَّا لَحْمُ الْبَقَرِ، وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعَزُ مَعَ الضَّأْنِ، وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ)؛ لِأَنَّهَا فُرُوعٌ مِنْ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ جِنْسَانِ وَشَحْمُ الْبَطْنِ، وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ.
قَوْلُهُ: (وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا)؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَدِّ، وَالْوَزْنِ، وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخَبْزِ، وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ يَعْنِي فِي أَوَّلِ التَّنُّورِ وَآخِرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اقْتِرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا، وَالْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا وَلَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَحْذُورٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مَحْذُورًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمَانٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ طِيبَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَإِذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ إلَّا مَا حَظَرَهُ الْأَمَانُ وَقَدْ حَظَرَ عَلَيْهِ الْأَمَانُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَالَهُ إلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ مَالَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ فَبَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا جَازَ الرِّبَا مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْلِمَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي دَارِنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالٍ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مَالِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ الرِّبَا مَعَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ بِدَارِنَا فَصَارَ كَأَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ.

.(بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ):

هَذَا بَابٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَنَقُولُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُسْتَحَبٍّ وَوَاجِبٍ فَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ، وَالْوَاجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي أَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ فَنَقُولُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَيُمَلِّكَهَا غَيْرَهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ حَتَّى يُعْلَمَ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ فَإِنْ زَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي فَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ.
قَوْلُهُ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ {أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ} فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ سَوَاءٌ مَلَكَهَا بِالْبَيْعِ، أَوْ بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْخُلْعِ، أَوْ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ دُفِعَتْ إلَيْهِ بِجِنَايَةٍ جَنَتْهَا وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ مِنْ صَغِيرٍ بَاعَهَا عَلَيْهِ أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ قَطُّ فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِشَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اسْتَبْرَأَهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ، وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجْزِيهِ الْحَيْضَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يُعَانِقَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَالشَّيْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَطْئًا وَاسْتِمْتَاعًا وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَذًى حَرُمَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ كَالْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ لِأَجْلِ الْأَذَى وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَلَوْ مَلَكَ مِنْ الْجَارِيَةِ نِصْفَهَا وَحَاضَتْ، ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَوَضَعَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا سِوَى الْجِمَاعِ مَا دَامَتْ فِي النِّفَاسِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَائِضِ، وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ حَاضَتْ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَدْ كَانَتْ حَاضَتْ مَعَهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى رَجُلٍ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا كَذَا هَذَا وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَظَهَرَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاخِ جَوْفِهَا، أَوْ بِنُزُولِ لَبَنِهَا فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهَا حَمْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَتَانِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي حُكْمِ بَيْعٍ ثَانٍ كَالْإِقَالَةِ وَلَوْ أَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا؛ إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَتَزَوَّجُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.

.(بَابُ السَّلَمِ):

لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ مِنْهَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ السَّلَمُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ الصَّرْفُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا، ثُمَّ قَدَّمَ الْعَقْدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَقِّي إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ) الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُثَمَّنًا وَالْمَكِيلَاتُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا عُلِمَ قَدْرُهُ بِالْوَزْنِ جَازَ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عِنْدَنَا وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ بِكَذَا وَهَذِهِ بِكَذَا، وَكَذَا الْجَوْزُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَذْرُوعَاتِ)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذِّرَاعِ وَهِيَ الثِّيَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الثَّوْبِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَذَرْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ وَزْنًا كَالْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ) يَعْنِي الرُّءُوسَ، وَالْأَكَارِعَ لِلتَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَالْهَمْلَجَةِ وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَقَدْ يَجِدُ فَرَسَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي السِّنِّ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ يَشْتَرِي أَحَدَهُمَا بِأَضْعَافِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآخَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي بَنِي آدَمَ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ، وَالْأَمَتَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ سِنًّا وَصِفَةً وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْعَقْلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمُرُوءَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا)؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَلَا تُوزَنُ عَادَةً وَلَكِنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ فَإِنْ سَمَّى مِنْهَا شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمُصْحَفِ مَعْلُومًا وَذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَجَوْدَتَهُ.
جَازَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ضَرْبًا مِنْهُ مَعْلُومَ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَالْجَوْدَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا)؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيَّنَ طُولَ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ ذِرَاعٌ، أَوْ ذِرَاعَانِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ جُرْزَةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُون الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) الْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحُلُولِ وَحَدُّ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ مِنْ السُّوقِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ وَلَنَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْمُدَّةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ فَحَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ إلَى حَالِ وُجُودِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالرُّطَبِ إنْ أَسْلَمَ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَجَعَلَ الْمَحِلَّ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ جَازَ.
وَإِنْ جَعَلَ الْمَحِلَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، وَالْمَالِحُ هُوَ الَّذِي شُقَّ بَطْنُهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْمِلْحُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تَنْقَطِعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا طَرِيِّهِ وَلَا مَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ فَهُوَ كَاللَّحْمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ إذَا سَمَّى وَزْنًا مَعْلُومًا، وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ سَمَكٌ مِلْحٌ، أَوْ مَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ احْتَجُّوا لَهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ مِصْرِيًّا ** أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا.

وَالْحُجَّةُ لِلُّغَةِ الْفَصِيحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أَيْ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ وَلَمْ يَقُلْ مَالِحٌ، وَأَمَّا السَّمَكُ الصِّغَارُ إذَا كَانَ يُكَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَقِلَّةِ الْعِظَامِ وَكَثْرَتِهَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا سَمَّى مَكَانًا مَعْلُومًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الطُّيُورِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًّا، ثُمَّ أَدْخَلَا الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَاهُ فَقِيلَ شَهْرٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ قَدْ يَنْعَدِمُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ فِي ذُرَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْهَا شَيْءٌ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ جِنْسٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ تَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ تَمْرٍ بَرْنِيِّ، أَوْ مَعْقِلِيٍّ، أَوْ ذُرَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ قَوْلُهُ (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) مِثْلُ جَيِّدٍ، أَوْ وَسَطٍ.
قَوْلُهُ: (وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِهِ قَفِيزٌ، أَوْ مُدٌّ أَوْ رِطْلٌ، أَوْ مَنٌّ (وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ) وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، وَالْأُجْرَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَهَالَةَ ذَلِكَ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمَقْبُوضِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي بَعْضِهَا زُيُوفًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا مَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَهَذَا كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَيُسَلِّمُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ) فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَإِنْ كَانَ كَدِرًا بَطَلَ، وَإِنْ نَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ قَامَا يَمْشِيَانِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ افْتَرَقَا فِي السَّلَمِ بَعْدَ الْقَبْضِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا صَحَّ السَّلَمُ، وَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا بَطَلَ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَاسْتَبْدَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ الزُّيُوفُ النِّصْفَ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فِيهَا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَقَضَ الْعَقْدُ فِيهَا فَإِنْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ يَسْقُطُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُبْرِئَ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهُ سَقَطَ الْقَبْضُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ وَهَذَا إذَا قَبِلَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْقَبْضُ، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَيْسَ لَك إلَّا سَلَمُكَ، أَوْ رَأْسُ مَالِكَ» أَرَادَ بِالسَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا الْمُسْلَمَ فِيهِ حَالَ بَقَاءِ السَّلَمِ أَوْ رَأْسِ الْمَالِ حِينَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا سَمَّى طُولًا وَعَرْضًا وَرُقْعَةً) بِالْقَافِ أَيْ غِلْظَةً وَثَخَانَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ فِي مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَوَزْنِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ) لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السَّلَمُ فِيهِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالنُّضْجِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَاخْتَارَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاع وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ لِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ، وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مُلَبِّنًا مَعْلُومًا)؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إذَا ذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ) الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَسَدِ وَلَا الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَبِعَظْمِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: الْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَطْهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ، وَأَمَّا الْقِرْدُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ كَالسِّبَاعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُبْتَاعُ لِلْمَلَاهِي، وَأَمَّا لُحُومُ السِّبَاعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ مُذَكَّاةً وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِطْعَامِهِ لِلْكِلَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُذَكَّاةً؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ كَانَ مَدْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا بَيْعَ السِّرْجِينِ، وَالْبَعْرِ وَشِرَاءَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ لِلْوُقُودِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَزِّ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْقَزُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا النَّحْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكُوَّارَاتِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ، وَإِنْ انْفَرَدَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا مُحْرَزًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ كَالْأَحْنَاشِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ، وَالْبُومِ وَالضِّفْدَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَعَقْدَهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ)؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَإِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ لِئَلَّا يَسْتَذِلَّهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ.

.(بَابُ الصَّرْفِ):

الصَّرْفُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا، وَالْفَرْضُ عَدْلًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ {مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا} الْعَدْلُ هُوَ الْفَرْضُ وَالصَّرْفُ هُوَ النَّفَلُ وَسُمِّيَ الْفَرْضُ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ النَّفْلِ وَالرَّدِّ فِي بَدَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِمَعَانٍ عَنْ الْبَيْعِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالسَّلَمِ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) الصَّرْفُ اسْمٌ لِعُقُودٍ ثَلَاثَةٍ: بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِاسْمِ الصَّرْفِ اخْتَصَّ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا وُجُودُ التَّقَابُضِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ - وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ - انْقَلَبَ جَائِزًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ أَجَلَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا فَلِزُفَرَ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ وَالطَّوْقِ وَيَكُونُ الطَّوْقُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَرْفًا وَالْجَارِيَةُ بِتِسْعِمِائَةٍ بَيْعًا فَلَوْ افْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ صَحِيحٌ بِتِسْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ فَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَى: لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا انْعَقَدَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الصَّرْفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ)؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إنَاءً مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ بِإِنَاءٍ مِنْ نُحَاسٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ بِالنُّحَاسِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ بِالصِّنَاعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ فَيَتَغَيَّرَانِ بِالصِّنَاعَةِ وَكَذَا الْحَدِيدُ حُكْمُهُ حُكْمُ النُّحَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ ثَابِتٌ فِيهِمَا بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ لِتَعَارُفِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْمَصْنُوعِ مِنْهُمَا عَدَدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَكَسَرَهُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ، وَوَزْنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ وَمَعَ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا شَيْءٌ آخَرُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخِلَافِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً كَالْقَلْسِ، وَالْجَوْزَةِ، وَالْبَيْضَةِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَاهُ لِيَجُوزَ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَجِدُهُ فِي قَلْبِكَ قَالَ أَجِدُهُ مِثْلَ الْجَبَلِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخِلَافِ قِيمَةٌ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَكُونُ بِإِزَائِهَا بَدَلٌ فَيَكُونُ رِبًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَدًا بِيَدٍ وَهَاءَ وَهَاءَ» «وَقَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَرَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا لَبْسٌ»، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ» وَقَالَ عُمَرُ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ أَيْ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ بَدَلِ الصَّرْفِ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تُمْهِلْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَا يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَرْسَخًا، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُفْتَرِقَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَوَجَبَ التَّقَابُضُ) أَمَّا التَّفَاضُلُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا التَّقَابُضُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ».
قَوْلُهُ: (وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَيَدُلُّ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الصَّرْفِ شَرْطُ الْجَوَازِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ لَا لِانْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا بُطْلَانَ إلَّا بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَبْلَ قَبْضِ الْعَشَرَةِ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا، أَوْ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ وَيَتِمُّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنْ قَبِلَ الْبَرَاءَةَ، أَوْ الْهِبَةَ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُمَا لَمْ يَبْطُلْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الصَّرْفِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَأَبَى الْوَاهِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وُهِبَ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ الْعَقْدِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْقَبْضِ فَيُجْبَرُ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ فِي تَمَامِهِ حَقَّ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُجَازَفَةِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاضُلِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ جَائِزٌ فَكَذَا الْمُجَازَفَةُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ مِنْ ثَمَنِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْفِضَّةِ يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَحِصَّةَ السَّيْفِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا نَقَدَ مِقْدَارَ الْحِلْيَةِ وَقَعَ مَا نَقَدَ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ؛ إذْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا)؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَصْرِفَ الْمَقْبُوضَ إلَى مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ وَلِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْوَاحِدِ وَعَنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}، وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الْمَالِحِ، وَإِنَّمَا قَالَ " مِنْهُمَا " مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ، وَالْعَذْبَ يَلْتَقِيَانِ فَيَكُونُ الْعَذْبُ كَاللِّقَاحِ لِلْمَالِحِ كَمَا يُقَالُ: يَخْرُجُ الْوَلَدُ مِنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهَا صَرْفٌ وَكَذَا السَّيْفُ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ لَا يُدْرَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ) لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلَّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَا يُوجَدُ، وَالْفَسَادُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ وَمَعْنَى الشُّيُوعِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ حَظٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخَرِ فَقَوْلُنَا " صَرْفٌ كُلَّهُ " احْتِرَازٌ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْإِنَاءُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا) وَلَا خِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ مَعَ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ) يَعْنِي بَعْضًا يَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَا يَتَعَدَّى (كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَفِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ وَلَمْ يَأْتِ التَّفْرِيقُ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُجِيزِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ - وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ - صَحَّ الْعَقْدُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أُخِذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ) هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ الْعَاقِدِ فَصَارَ كَهَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ النُّقْرَةَ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَالدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَظِيرُ النُّقْرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ لَا تُعَدُّ عَيْبًا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُصَحِّحُهُ، وَالْآخَرُ يُفْسِدُهُ حُمِلَ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِائَةً تُجْعَلُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ وَيُجْعَلُ الدِّينَارُ بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتَقَابَضَا جَازَ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالْفَضْلِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الِاعْتِبَارِ وَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا وَدِرْهَمَيْنِ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ وَتَقَابَضَا جَازَ وَيَكُونُ الدِّينَارُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَدِينَارَانِ بِدِرْهَمَيْنِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْجِنْسَ بِجِنْسِهِ، وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ حَتَّى يَكُونَ الْجِنْسُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَابِلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بِمِثْلِهِ، وَالْفَضْلُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ، وَهَذَا كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ، وَالثَّانِي قِسْمَةُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جِنْسَيْنِ فِيهِمَا الرِّبَا بِجِنْسِهِمَا وَهُنَاكَ تَفَاضُلٌ، مِثْلُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ، وَمِثْلُ صَاعَيْ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ وَصَاعِ حِنْطَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَيُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا اشْتَرَى مِثْقَالَيْ فِضَّةٍ وَمِثْقَالًا مِنْ نُحَاسٍ بِمِثْقَالِ فِضَّةٍ وَثَلَاثَةِ مَثَاقِيلِ حَدِيدٍ جَازَ وَتَكُونُ الْفِضَّةُ بِمِثْلِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ بِذَلِكَ الْحَدِيدِ وَكَذَلِكَ مِثْقَالُ صُفْرٍ وَمِثْقَالُ حَدِيدٍ بِمِثْقَالِ صُفْرٍ وَمِثْقَالِ رَصَاصٍ، فَالصُّفْرُ بِمِثْلِهِ وَالرَّصَاصُ بِمَا بَقِيَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ) وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَوَازَنَا فَزَادَتْ إحْدَى الْعَشَرَتَيْنِ دَانَقًا فَوَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا جَازَ الْبَيْعُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَشَرَةَ بِمِثْلِهَا وَوَهَبَ لَهُ الدَّانَقَ وَهُوَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُكَسَّرَةً لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الدَّانَقَ يَتَمَيَّزُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَتْ مُكَسَّرَةً فَهِيَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ بِدِرْهَمٍ غَلَّةٍ) صَوَابُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةٍ، وَالْغَلَّةُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ قِطَعًا وَقِيلَ هِيَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحَرَامِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ فَهِيَ ذَهَبٌ وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِمَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا إلَّا وَزْنًا لَا عَدَدًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَانَا فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَخْلُصُ مِنْ الْغِشِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَهْلَكَةٍ فَإِذَا بِيعَتْ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ فَهِيَ كَبَيْعِ نُحَاسٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَيَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ) يَعْنِي الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صَرْفٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ شُرِطَ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ، وَالْغِشُّ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ إلَّا وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ ذَلِكَ وَزْنًا صَارَ بَائِعًا لِلْفِضَّةِ بِمِثْلِ وَزْنِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْغِشِّ بِمِثْلِ وَزْنِهِ فِضَّةً كَذَا فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ كَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَتُهَا آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَسَدَتْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَا تَرُوجُ فِي غَيْرِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلِكْ وَلَكِنَّهَا تَعَيَّبَتْ فَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِنِي مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعَيُّنِهَا، وَإِذَا لَمْ تُعَيَّنْ فَالْعَاقِدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا) لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا وَمَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ كَالثِّيَابِ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا كَسَدَتْ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ مُوجِبَةٌ رَدَّ الْعَيْنِ مَعْنًى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ: بِدَانَقٍ فُلُوسًا، أَوْ بِقِيرَاطٍ فُلُوسًا.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ تَغْلُو وَتَرْخُصُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ فَقَدْ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ فَجَازَ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِدِرْهَمٍ فُلُوسًا، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَعْطَى الصَّيْرَفِيَّ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَالْبَاقِيَ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْفُلُوسُ وَالنِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِدِرْهَمٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفُلُوسَ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ إذَا كَانَ لَمْ يُضِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَى الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهِ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَالنِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ الَّذِي وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلُ فِي الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَفْسِيرَهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ كَعَقْدَيْنِ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فِي الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ لَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ عَقْدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا فَبَيْعُ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَدْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْبَاقِي مِنْ الدِّرْهَمِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.